بودكاست

سيف دعنا: التصوّف الثوري ومجتمع الفرجة… كيف نواجه الحداثة الغربية؟

📰 سيف دعنا في “المثقف العضوي”:

التصوّف الثوري، أزمة القانون الدولي، وسقوط مجتمع الفرجة

✍️ بقلم: محمد علي ڨيزة

لم يكن اللقاء الأخير من بودكاست “المثقف العضوي” مع الدكتور سيف دعنا لقاءً عابرًا، بل كان رحلة فكرية امتدت من نقد المنظومة القانونية الدولية، إلى قراءة فلسفية للتصوّف الثوري في تاريخ المقاومة، وصولاً إلى تحليل مجتمع الفرجة والهيمنة الرمزية في زمن الصورة والاستهلاك.

■ القانون الدولي: بين الهيمنة والاستعمال التكتيكي

في بداية هذا الجزء من الحوار، تحدّث د. سيف دعنا بوضوح عن ازدواجية المعايير في القانون الدولي، الذي اعتبره منذ نشأته أداة استعمارية صيغت على مقاس الدول الغربية الإمبريالية. المحكمة الجنائية الدولية، محكمة العدل، المنظمات الأممية… كلها تمثّل منظومة ولدت من رحم القوى المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تتوقف عن لعب دور الأداة لتبرير التدخلات وضمان الهيمنة.

لكن المفارقة، كما يوضح د. سيف، أن الشعوب المقهورة، رغم إدراكها لهذه الحقيقة، تُضطر أحيانًا لاستعمال هذه الأدوات كما فعلت جنوب إفريقيا مؤخرًا بدعمها القضية الفلسطينية أمام محكمة العدل الدولية. ليس من باب الوهم بوجود عدالة مطلقة، بل من باب استعمال التناقضات داخل المنظومة لكشف زيفها. فحتى عندما يفشل القانون، تصبح المحاكم منابر لتعريته أمام العالم.

يستشهد د. سيف بقضية اغتيالات إيران، وجرائم الكيان الصهيوني، حيث الصمت الدولي يفضح نفسه بنفسه. “القانون الدولي ليس سوى وجه آخر للقوة”، يقول د. سيف، لكن معركة الشعوب فيه لا يجب أن تتوقف، ولو فقط لتعرية العجز وفضح النفاق.


■ التصوّف الثوري: بين الحلاج، حسن نصر الله، وجورج حبش

ينتقل الحوار من القانون إلى بعدٍ أعمق: التصوّف الاجتماعي بوصفه بعدًا ثوريًا في فكر المقاومة.
يذكّر د. سيف بأن التصوّف في تاريخه الأصيل ليس دروشة ولا خضوعًا، بل شكل من أشكال التمرّد على السلطة، ورأس المال، ورجال الدين كأداة للقمع. يربط بين الحلاج الذي وقف إلى جانب ثورة الزنج فدفع حياته ثمنًا، وبين الشخصيات الثورية الحديثة التي جسّدت هذا المعنى: جورج حبش، حسن نصر الله، وحتّى القساوسة الحمر في لاهوت التحرير بأمريكا اللاتينية.

هؤلاء، في رأي د. سيف، جسّدوا روح التصوّف الاجتماعي: الإيمان الصوفي بالفعل، الحياة البسيطة، الالتصاق بالناس، ورفض الاستعلاء والامتياز الطبقي. تصوّفهم ليس فرديًا ولا طقوسيًا، بل مشروع تحرّر جماعي يربط الروح بالفعل السياسي، والوعي اليومي بالمقاومة.

في هذه الرؤية، تتقاطع تجربة المقاومة اللبنانية، وتجربة اليسار الفلسطيني، وحتى تجارب الشعوب الأصلية، لأن جميعها امتداد لثقافة مشاعية رافضة لكل هيمنة: دولة، رأسمال، إمبريالية، أو دين رسمي مسيّس.


■ مجتمع الفرجة: من ديبور إلى بودريار… لماذا لا تموت الحقيقة؟

في القسم الأخير من الحوار، انتقل د. سيف دعنا إلى نقد الهيمنة الرمزية في عصر الصورة والسوشيال ميديا، مستعيدًا أطروحات غي ديبور في “مجتمع الفرجة”، وجان بودريار في “حرب الخليج لم تقع”.

يوافق ضيف الحلقة على تشخيص ديبور: نعيش في عصر تمّ فيه تحويل الإنسان إلى مستهلك سلبي، رهينة للصورة، وللحدث المصطنع، وللرغبات المفبركة. الصورة صارت بديلاً عن الواقع، والاستهلاك بديلاً عن الفعل، والفرجة بديلاً عن المشاركة.

لكن سيف دعنا يضيف: نحن في الجنوب العالمي نعيش وجهًا آخر لهذه الحداثة. لسنا ضحايا الاستعراض وحده، بل ضحايا الصواريخ، القنابل، الجوع، والاحتلال. الحقيقة عندنا لم تمت كما ادّعى بودريار. في غزة، يسيل الدم حقيقة، والدم لا يمكن تغطيته بصورة استعراضية إلى الأبد.

“في تموز 2006، اجتمعت كل وسائل الإعلام لتقول إن حزب الله هُزم. لكن المقاومة على الأرض فرضت واقعًا آخر. لهذا لا أميل لفكرة أن العالم صار افتراضيًا بالكامل”، يقول د. سيف، مشددًا أن الواقع الحقيقي مازال يصنع التاريخ، رغم محاولات طمسه بالإعلام والاستهلاك.


■ بين الأصالة والمعاصرة: من نحن ولماذا يجب أن نعرف؟

في ختام حديثه، شدّد د. سيف دعنا أن الرهان الأكبر ليس فقط مقاومة الهيمنة الغربية، بل مقاومة تفكيك الذات العربية، ومسخ ذاكرتها وثقافتها وهويتها.
“إذا لم نعرف من نحن، سننهزم، ونتحوّل إلى نسخ مشوّهة من الحداثة الأوروبية، ونخضع لمعاييرها بالكامل.”

المعركة ليست فقط عسكرية أو اقتصادية. هي أيضًا معركة فكر، وذاكرة، ولغة، وقيم.
من الحلاج إلى نصر الله، من لاهوت التحرير إلى ثورة الزنج، من المقاومة إلى المشاعية العربية… هذا التاريخ ليس ماضٍ نستعرضه، بل حاضر نحتاجه لنفهم كيف نقاوم، وكيف نعيش، وكيف لا نتحوّل إلى متفرّجين على موتنا.


🎙️ كلمة الختام من “المثقف العضوي”:

في عالم يُغرقنا في التفاهة، ويسلّعنا، ويحوّلنا إلى مستهلكين بلا موقف… تبقى مثل هذه الحوارات بمثابة إحياء للصوت النقدي، للموقف، وللثقافة المقاومة.
لذلك، “المثقف العضوي” سيبقى منبرًا لكل من يؤمن أن الكلمة أقوى من الدبابة، وأن الإنسان الحقيقي لا يعيش ليستهلك، بل ليقاوم.


🔔 تابعوا الحلقة كاملة على قناة MAG TV:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى