فيروز تودع ابنها العبقري: وداعٌ مزقه الصمت، وعزفه الحب

في مشهدٍ يُختزل فيه ألم الأمهات وحزن الأوطان، ودَّعت أسطورة الغناء فيروز ابنها الفنان زياد الرحباني، الذي رحل عن 69 عامًا بعد مسيرةٍ فنيَّةٍ غيَّرت وجه المسرح والموسيقى العربية. احتشد آلاف المحبين في شارع الحمرا ببيروت، حيثُ عاش زياد وأبدع أعماله، ليُشيّعوه بزغاريدَ ودموعٍ وأغانيه الخالدة .
تفاصيل الوداع:
– جموعٌ تعانق الجثمان: تدفَّق المحبون حاملين الورودَ البيضاءَ والحمراء، وصورًا كُتب عليها “بَلا وَلَا شَي… بَحُبّك“، عنوان إحدى أشهر أغانيه .
– أغانيه تُرافق رحيله: انطلق الموكب على أنغام مقطوعات زياد، بينما نثر الحاضرون الأزهارَ والأرزَّ على سيارة الجثمان، وتصاعد التصفيق مع دقِّ أجراس الكنائس .
– في حضرة فيروز: ظهرت “جارة القمر” بمظهرٍ نادر، آثار الحزن باديةً على محيّاها، وسط احتضان ابنتها ريما الرحباني والمقرَّبين .
شارع الحمرا: حيثُ يلتقي الفن بالذاكرة
هذا الشارع الذي شهد عرضَ مسرحيات زياد الساخرة مثل “بالنسبة لبكرا شو؟” و”شي فاشل“، تحوَّل اليوم إلى لوحةٍ تعكس تراث الفنان الذي هزم الصمت بنقده اللاذع. حمل المتجمهرون الأعلامَ اللبنانية والفلسطينية، تكريمًا لمواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية ورفضه الطائفية .
“جئتُ لأنني من جيل الزياديِّين… ساهم في تشكيل ثورتنا ووعينا“،
— قال أحد المشيّعين، دامعًا وهو يحمل صورة الرحباني .
إلى المتن الشمالي: حيثُ يستقرُّ الأخير
انتهى الموكب في بلدة المحيدثة بجبل لبنان، حيثُ صُلِّي على الجثمان في كنيسة “رقاد السيدة”، ودُفن هناك. مشهدٌ اختلطت فيه أصوات الصلوات بألحان زياد، وكأنَّ روحه تُردِّد: “لأول مرة ما منكون سوا”، أول أغنية لحّنها لوالدته .
لماذا خسر لبنان أكثر من فنان؟
– صوتُ الحربِ والسلم: سخَّر فنه لنقد الواقع خلال الحرب الأهلية، فحوَّل معاناة اللبنانيين إلى مسرحياتٍ كوميديَّةٍ تَكشف التناقضات، مثل “نزل السرور” و”بخصوص الكرامة” .
– موسيقى تكسر القوالب: أبدع ألحانًا لوالدته جمعت بين الجاز والأصالة، مثل “سألوني الناس” (أول لحنٍ له لفيروز)، و”أنا عندي حنين”، وحملت ألبوماتها بصمته الثورية .
– معلِّمُ جيلٍ: رغم انتمائه اليساري، عبَّر كل اللبنانيين بأغنياته، حتى أنَّ خصومه السياسيين حفظوا نصوصه عن ظهر قلب .
“زياد لم يكن فنانًا عاديًا… اليوم خسر لبنان شقًّا من ذاكرته الجماعية”.
وداعًا زياد…
محمد علي قيزة