عادل بكري يكشف رحلة 20 سنة مع فيلم “شجرة المساء” | MAG TV
عادل بكري يكشف رحلة 20 سنة مع فيلم “شجرة المساء” | MAG TV

بعد مسار فني طويل امتدّ على أكثر من ثلاثة عقود بين المسرح والسينما الوثائقية، يقدّم المخرج والممثل والمنتج عادل بكري أول فيلم روائي طويل له بعنوان “شجرة المساء”، في تجربة استثنائية تختزل علاقة معقّدة بالزمن، بالإنتاج، وبالسينما كفعل ثقافي وإنساني قبل أن تكون صناعة.
الفيلم، الذي استغرق إنجازه قرابة عشرين سنة، ليس فقط عملًا سينمائيًا، بل شهادة حيّة على واقع السينما التونسية، وعلى صعوبة أن يظلّ المخرج وفيًا لرؤيته في ظل تعقيدات الدعم، الإنتاج، والتوزيع.
من تونس إلى إيطاليا: مسار تشكّل
غادر عادل بكري تونس سنة 1989، ليستقرّ في إيطاليا حيث درس المسرح والسينما، واشتغل كممثل ومخرج، قبل أن يخوض تجربة الإنتاج الذاتي. هناك تشكّلت ملامح نظرته للسينما، بوصفها كتابة بالصورة، ومسؤولية فكرية وأخلاقية تجاه الإنسان والواقع.
“أنا في الأصل مؤلف… مؤلف كلمة ومؤلف صورة، وما نحبّش المشاكل ولا اللوبيات.”
“شجرة المساء”: مشروع بدأ سنة 2005
انطلقت كتابة سيناريو “شجرة المساء” سنة 2005، وتحصل المشروع على دعم للكتابة سنة 2007، لكن تعقيدات إدارية ومالية حالت دون استلام قيمة الدعم، ما دفع المخرج إلى التقدّم مباشرة بطلب دعم للإنتاج. ورغم الحصول عليه لاحقًا، لم يُسعف الحظ الفيلم، وتوقّف المشروع سنة 2010.
في سنة 2011، أُعيد إحياء المشروع، وانطلق التصوير فعليًا سنة 2018، غير أنّ وفاة المنتج أدّت إلى توقّف جديد، ودخول الفيلم في نزاع قانوني دام ست سنوات، قبل أن يسترجع عادل بكري حقوقه كاملة.
“صورت 70% من الفيلم، وبعد وفاة المنتج لقيت روحي مضطر نوقف كل شيء… واستنيت ست سنين باش نرجّع حقي.”
تمويل ذاتي… ونهاية مختلفة
بعد استرجاع الحقوق، قرّر بكري استكمال الفيلم بتمويله الذاتي، وتكفّل شخصيًا بمرحلة ما بعد الإنتاج. غير أنّ تغيّر الزمن والظروف فرض تعديل نهاية الفيلم، خصوصًا مع تقدّم الممثلين في السن، ما جعل خيار إعادة كتابة الخاتمة ضرورة فنية لا تنازلًا إبداعيًا.
“الزمن تبدّل، وأنا تبدّلت… كان لازم نغيّر نهاية الفيلم باش يكون صادق.”
من السجون إلى الجمهور
قبل عرضه للعموم، عُرض “شجرة المساء” في تجربة إنسانية لافتة داخل سجني سرس وسليانة، حيث كان المساجين أوّل من شاهد العمل، قبل تقديمه ضمن قسم “بانوراما السينما التونسية” في أيام قرطاج السينمائية، في انتظار استكمال مساره القانوني لدى المركز الوطني للسينما والصورة ووزارة الشؤون الثقافية.
“المساجين كانوا من أوّل الناس اللي شافوا الفيلم… وكانت لحظة إنسانية قويّة.”
السينما الوثائقية: ذاكرة الإنسان والمكان
إلى جانب تجربته الروائية، أنجز عادل بكري ثمانية أفلام وثائقية طويلة بين 2007 و2024، اشتغل فيها على قضايا اجتماعية وإنسانية عميقة: الماء، المرأة الريفية، التعليم الابتدائي في المناطق المهمّشة، الفعل الثقافي، الشعر، الجسد، والمكان.
وثّقت هذه الأعمال تحوّلات المجتمع التونسي، وعكست اهتمامًا خاصًا بالهامش والمنسيّ، بعيدًا عن المعالجة السطحية أو الاستهلاكية للصورة.
قراءة نقدية لواقع السينما التونسية
في حديثه عن واقع السينما في تونس، يقدّم بكري قراءة نقدية جريئة، معتبرًا أن السينما التونسية هي في جوهرها سينما مؤلف، لكنها تعاني من:
- محدودية الإنتاج
- هيمنة لجان الدعم
- نفوذ لوبيات داخل وخارج الإدارة
- إشكالية التمويل الأجنبي
- ضعف التوزيع وغياب منصّات العرض
“الدولة تموّل، لكن التنفيذ فيه برشة تجاوزات… والمنتج أحيانًا يفرض رؤيته على حساب المؤلف.”
كما ينتقد تراجع دور التلفزة الوطنية في دعم السينما، مقابل هيمنة منطق السوق والترفيه السريع.
رسالة إلى الشباب
يوجّه عادل بكري رسالة واضحة إلى الجيل الجديد من صنّاع الصورة، داعيًا إلى التسلّح بالمعرفة قبل التقنية، وبالصبر قبل الحلم.
“السينما مش ترند… يلزم تقرا، يلزم تعرف شعر، أدب، تاريخ وجغرافيا. الصورة وحدها ما تكفيش.”
“شجرة المساء” هو فيلم عن الزمن، لكنه أيضًا ثمرة زمن طويل من الإيمان بأن السينما، مهما تأخرت، يمكن أن تصل… إذا بقي صاحبها وفيًا لذاته.



