ثقافة و فنون

فیلم »وین یاخذنا الریح« لآمال الڤلاتي: “فن”  الھروب..  أو حین لا نعرف إلى أین نصل

بقلم اسكندر صكوحي

 لا یقودنا “وین یاخذنا الریح” إلى وجھة واضحة، ولا یعدنا بخلاصٍ سھل. في ھذا الفیلم الھادئ والمتوتر في آن، تقترح آمال الڤلاتي سینما تطرح الأسئلة بدل أن تمنح الأجوبة، وتحوّل الھروب من فعل جسدي إلى تجربة وجودیة كاملة، تُختبر فیھا الرغبة، والخوف، .والحریة

 في مشاركتھا ضمن مسابقة الأفلام الروائیة الطویلة في الدورة 36 من مھرجان أیام قرطاج السینمائیة، یرسّخ الفیلم حضوره كعمل یعتمد .على الإحساس أكثر من الحدث، وعلى الصمت أكثر من الكلام

 الطریق لیس وعدًا

 ینتمي الفیلم ظاھریًا إلى سینما الطریق، لكنھ سرعان ما یفكك ھذا التصنیف. الرحلة نحو الجنوب التونسي لا تُق َّ دم كخیار خلاص، بل .كمساحة مفتوحة للتیھ. الطبیعة الشاسعة، الطرقات الطویلة، والفراغات البصریة، لا تُجمّل الواقع بل تعرّیھ

 .الطریق ھنا لیست انتقالًا جغرافیًا، بل حالة انتظار معلقّ، كأن الشخصیات تمشي كي تؤجّل المواجھة مع نفسھا

 شخصیتان… وقلق واحد

 .یرتكز الفیلم على ثنائیة إنسانیة دقیقة، تنمو على التناقض والھشاشة

 مھدي، في أداء متقشف ودقیق لـسلیم بكار، شخصیة تسكنھا المخاوف أكثر مما یسكنھا القمع. صمتھ لیس غیابًا للكلام، بل طریقة للوجود.

 .بكار یشتغل على الجسد المنكمش والنظرة المرتبكة، لیجعل من اللاموقف موقفًا بحد ذاتھ

 في المقابل، تأتي علیسة، التي تؤدیھا آیة بالآغة، كطاقة مضطربة لا تستقر. أداء لافت یصل حدّ التماھي؛ الجسد ھنا لغة، والحركة .خطاب، والتناقض جزء من تكوین الشخصیة. علیسة لیست نموذجًا جاھزًا للتمرّد، بل امرأة قلقة، تبحث عن ذاتھا حتى عبر الخطأ

 .العلاقة بین الشخصیتین لا تُبنى على الحب بقدر ما تقوم على حاجة مشتركة لتأجیل الانكسار

 الجسد كمساحة قول

 من دون شعارات مباشرة، یقدّم الفیلم خطابًا سیاسیًا ھادئًا عبر الجسد. جسد علیسة خصوصًا یتحوّل إلى ساحة صراع مع الأعراف .والذاكرة والسلطة غیر المرئیة. لا تفسّر آمال الڤلاتي خیارات شخصیاتھا، ولا تبررھا، بل تتركھا تُخطئ وتتوتر وتنكشف

 .ھنا، لا یصبح الجسد موضوعًا للنظر، بل ذاتًا فاعلة، حتى في لحظات الضعف

 بطء مقصود وصورة واعیة

 إیقاع الفیلم البطيء لیس تعثّرًا سردیًا، بل خیار جمالي واعٍ. الكامیرا تمنح الزمن للشخصیات كي تتشكّل، وتفسح المجال للفراغ كي یقول .ما لا یُقال

 اللقطات الواسعة تعمّق الإحساس بالوحدة، فیما تكشف اللقطات القریبة ھشاشة الوجوه دون استعراض تقني. إنھا سینما تثق في الصمت، .وفي قدرة الصورة على حمل المعنى وحدھا

 تؤكد آمال الڤلاتي، في ھذا العمل، نضجًا إخراجیًا واضحًا. لا تبحث عن الإبھار ولا عن الخطاب المباشر، بل عن الصدق. تترك .مساحات بیضاء داخل الفیلم، وتراھن على ذكاء المتفرّج وقدرتھ على التأویل

 .وین یاخذنا الریح« فیلم لا یشرح نفسھ، ولا یحتاج إلى ذلك«

 حین تصبح الحریة عبئًا

 في النھایة، لا یسأل الفیلم: إلى أین نذھب؟ بل: ماذا نفعل حین نصل؟

 وین یاخذنا الریح« فیلم عن الحریة حین تفقد بریقھا، وعن الھروب حین یتحوّل إلى مواجھة مؤجّلة مع الذات. عمل سینمائي ھادئ،« متماسك، ومزعج في صدقه، یؤكد أن السینما التونسیة ما زالت قادرة على مساءلة الإنسان لا عبر الصراخ، بل عبر الإنصات الطویل .لما یخشاه

مقالات ذات صلة

Comments (0)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى