صور الأطفال في المهرجانات: حين يغيب الضمير المهني وتغيب الهيئة التعديلية

مرّة أخرى، تُدقّ نواقيس الخطر في علاقة الإعلام والفضاء الرقمي بالطفولة، بعد أن راجت على شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة صور ومقاطع فيديو لأطفال في وضعيات غير لائقة خلال حضورهم بعض المهرجانات الصيفية. مشاهد أثارت استياءً واسعًا، دفعت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن إلى إصدار بلاغ رسمي أعلنت فيه عن فتح بحث قضائي في الغرض.
غير أن ما حدث لا يجب اختزاله في مجرد حادثة معزولة أو تجاوز فردي، بل يكشف عن مشكلة بنيوية أعمق، تتعلق بتآكل الضوابط المهنية، وتراجع الرقابة الذاتية داخل بعض وسائل الإعلام ومنصات المحتوى، في ظل غياب شبه تام للمساءلة.
حين تغيب “الهايكا”: من يضع الخطوط الحمراء؟
منذ إحالة رئيسها على التقاعد، دخلت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) في حالة شلل فعلي، دون تعيين بديل أو تفعيل مؤسسي جديد. ورغم محدودية صلاحياتها أصلاً، كانت الهيئة تُمثّل على الأقل رمزًا لوجود سلطة تعديلية يمكن أن تُفعّل أدوات المساءلة وتُذكّر بحدود حرية التعبير في علاقة بحقوق الفئات الهشة، وخاصة الأطفال.
غياب الهيئة اليوم لا يُفسّر فقط كفراغ إداري، بل كرسالة سلبية مفادها أن المجال السمعي البصري أصبح بلا مرجعية ولا رقيب، وأنّ التعامل مع أخلاقيات المهنة بات مسألة ظرفية لا تتجاوز بيانات التنديد، بدل أن يكون التزامًا مؤسساتيًا مستمرًّا.
أخلاقيات المهنة تُداس… باسم “الفرجة”
المفارقة أنّ هذه الانتهاكات تأتي في سياق يفترض أن يكون احتفاليًا: مهرجانات صيفية، عروض ثقافية، فضاءات موجهة للأسرة… لكنّها تحوّلت في بعض الحالات إلى منصات للعرض المجاني لطفولة لا تدري أنها تُنتهك على المباشر.
أين هي المعايير التحريرية؟ أين الرؤية التربوية؟ بل أين الحسّ الإنساني في التعامل مع صور قاصرين؟ يبدو أن منطق الإثارة والفرجة طغى على أي التزام أخلاقي أو تربوي، في وقت كان يُفترض فيه أن يكون الإعلام جزءًا من منظومة الحماية لا وسيلة للانتهاك.
الردع وحده لا يصنع إصلاحًا
ردّ فعل الوزارة، على أهميته، لم يتجاوز المنطق الزجري: فتح تحقيق، تحذير من نشر الصور، التذكير بالقوانين… لكنه لم يُرافق بنقاش عام حول أسباب تكرار هذه الظواهر، ولم يتضمّن مقترحات لتطوير السياسات الاتصالية أو تعزيز التكوين الإعلامي في مجالات حقوق الطفل.
الردع وحده لا يكفي. ما نحتاجه اليوم هو خطاب إصلاحي يتجاوز المناسبات، ينخرط فيه الإعلام، والمجتمع المدني، والمؤسسات التربوية، والفاعلون الرقميون، لتكريس ثقافة مهنية تحترم حدود الأخلاقيات وتعيد الاعتبار لمعنى “المسؤولية التحريرية”.
نحو صحافة مسؤولة ومؤسسات تعديلية فعالة
في ظل التغيرات التي يشهدها المشهد الإعلامي، واحتلال المنصات الرقمية لدور مركزي في تشكيل الرأي العام، تصبح أخلاقيات المهنة والرقابة الذاتية خط الدفاع الأول لحماية الفئات الهشة، خاصة عندما تتغافل الدولة عن تفعيل مؤسساتها، ويتراخى المشرّع عن مواكبة التحولات.
المطلوب اليوم ليس فقط تعيين رئيس جديد للهايكا، بل إعادة التفكير جذريًا في المنظومة التعديلية بأكملها، مع توسيع صلاحياتها وتعزيز استقلاليتها وتكريس دورها التربوي، لا فقط الزجري.
يبقى سؤال أساسي مطروح على الطاولة:
هل يكفي بلاغ رسمي لكبح استسهال انتهاك حقوق الأطفال؟ أم أننا في حاجة إلى ثورة أخلاقية وإعلامية حقيقية تعيد ضبط البوصلة؟