مقالات و آراء

قابس ليست متّهمة: حين يُشوّه الإعلام نضالًا بيئيًا مشروعًا


في مدينة قابس، حيث تختلط رائحة البحر بأنين التلوث، خرجت أصوات المحتجين تطالب بتفكيك وحدات المجمع الكيميائي، ووقف النزيف البيئي الذي حوّل الجهة إلى منطقة منكوبة صحّيًا وبيئيًا. لكن بدل أن يُنصت الإعلام إلى هذه الأصوات، اختار البعض أن يُشوّهها.

الروبورتاج الذي أنجزه الصحفي محمد البوزيدي، بعنوان “اعترافات مدوية وبالتفاصيل عن الأطراف التي مولت ونفذت عمليات الحرق والتخريب في قابس”، لا يرتقي إلى الحد الأدنى من المهنية الصحفية. فبدل أن يُوثّق أسباب الاحتجاجات، انزلق نحو خطاب يُدينها، عبر أسئلة موجهة وانتقائية، طُرحت على مواطنين بسطاء، في غياب تام للجهات المنظمة أو النشطاء البيئيين.

تغييب الصوت الحقيقي

ما يلفت الانتباه في هذا العمل هو تغييب الفاعلين الحقيقيين في الحراك: لا صوت للنشطاء، لا حضور لممثلي المجتمع المدني، ولا حتى محاولة لفهم المطالب البيئية التي تُشكّل جوهر الاحتجاج. هذا التغييب لا يُعد مجرد سهو، بل يُعبّر عن انحياز واضح، يُحوّل الصحفي من ناقل للحدث إلى طرف فيه.

من التوثيق إلى الاتهام

الريبورتاج يُلمّح إلى وجود تمويل خارجي وأجندات تخريبية، دون تقديم أي دليل ملموس. شهادات فردية غير موثقة تُقدَّم كحقائق، في حين أن الصحافة الجادة تُبنى على التوازن، التحقق، والإنصات لجميع الأطراف. هذا الانزلاق يُحوّل الإعلام من سلطة رقابية إلى أداة تبرير للوضع القائم.

قابس ليست متّهمة، بل ضحية

الاحتجاجات في قابس ليست جريمة، بل مقاومة نبيلة في وجه التدمير الممنهج. المطالبة بتفكيك وحدات المجمع الكيميائي ليست دعوة للفوضى، بل صرخة من أجل الحياة. ومن يُشوّه هذه الصرخة، يُشارك في إدامة المعاناة.

دعوة للتوثيق البديل

أمام هذا النوع من المحتوى، تبرز الحاجة إلى توثيق مضاد، يُعيد سرد القصة من وجهة نظر الضحايا، لا من وجهة نظر من يُبرّر التلوث. على المدونين والصحفيين المستقلين أن يُكثّفوا جهودهم لتقديم رواية تُنصف الحراك، وتُبرز مطالبه الحقيقية، بعيدًا عن التشويه والتضليل.

خلاصة القول 


ما قدّمه محمد البوزيدي ليس روبورتاجًا، بل خطابًا يُدين الاحتجاجات بدل أن يُنصت إليها. قابس تستحق إعلامًا يُنصفها، لا يُدينها. والنضال البيئي ليس تهمة، بل حق أصيل في الحياة الكريمة.

Comments (0)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى