قابس بين تفكيك الوحدات وتفكيك المسؤوليات

✍️ محمد علي ڨيزة
تشهد قابس منذ منتصف أكتوبر حراكًا بيئيًا جديدًا أعاد مطلب تفكيك الوحدات الملوِّثة إلى الواجهة، بعد سنوات من الانتظار والتراكمات. هذا الحراك لم يعد مجرّد تحرك احتجاجي، بل أصبح تعبيرًا عن وعي جماعي متجدد بضرورة تغيير النموذج التنموي في الجهة، وربط العدالة البيئية بالعدالة الاجتماعية.
تكليف يثير الأسئلة
في هذا السياق، جاء لقاء رئيس الجمهورية بالمهندس علي بن حمود ليشكّل حدثًا لافتًا يوحي، من حيث الشكل، باعترافٍ بمشروعية المطلب الشعبي.
لكن من حيث المضمون، يثير اللقاء تساؤلات حول الإطار المؤسساتي للتكليف، خاصة أن الرجل لا يشغل أي موقع رسمي داخل أجهزة الدولة، ولم يُعلن عن أي آلية قانونية أو مرسوم يحدّد صلاحياته أو مهامه.
هذا الوضع يدفع للتساؤل:
هل يمكن فعلاً إدارة ملفّ بحجم وخطورة الملف البيئي في قابس عبر مبادرات فردية معزولة؟
وهل نحن أمام حلّ مؤسساتي فعلي أم محاولة جديدة لاحتواء الغضب الشعبي وإعادة توجيهه؟
مسؤولية الدولة لا تُفوّض
السلطة، التي تتركّز اليوم فعليًا في يد رئيس الجمهورية، تتحمّل المسؤولية الكاملة في هذا الملف.
ولا يكفي أن تُطلق المبادرات من القصر أو أن تُوجَّه الخطابات من الأعلى. ما يُنتظر هو قرار مؤسساتي واضح يُفعّل أجهزة الدولة ويعيد الاعتبار لدورها التنفيذي.
الوزارات، المجالس المحلية، والمجالس الجهوية — كل هذه الهياكل التي وُجدت لخدمة المواطن — إن لم تتحرّك اليوم في ملف بهذا الحجم، فمتى تتحرك إذًا؟
تجربة صفاقس سنة 2018 قدّمت نموذجًا واضحًا: تفكيك وحدات السياب تمّ في إطار رسمي منسّق، بإشراف رئاسة الحكومة ووزارتي الصناعة والبيئة والمجمع الكيميائي، وبمتابعة من السلط الجهوية. الآليات موجودة، والقوانين جاهزة، والمطلوب فقط إرادة سياسية حقيقية.
خطر تحويل الملف إلى مبادرة فردية
تحميل مسؤولية بهذا الحجم إلى شخص واحد، مهما كانت نواياه صادقة، هو في جوهره انسحاب تدريجي للدولة من أدوارها.
ملف قابس لا يُختزل في حلول تقنية أو هندسية فقط، بل هو قضية سياسية وتنموية وأخلاقية تمسّ جوهر العلاقة بين الدولة ومواطنيها.
قابس تحتاج اليوم إلى وضوح في القرار، شفافية في التنفيذ، ومشاركة فعلية للكفاءات المحلية.
أما الاكتفاء بالمبادرات الفردية والوعود الفضفاضة، فلن يغيّر شيئًا من الواقع سوى أنه يربك الحراك ويفتح الباب أمام محاولات الاحتواء.
الرسائل الثلاث
🔹 إلى السلطة:
قابس ليست ورقة رمزية ولا اختبار نوايا. المسؤولية سياسية ومؤسساتية، لا يمكن تفويضها أو التنازل عنها.
🔹 إلى أبناء قابس:
مطلب تفكيك الوحدات مشروع ومنطقي، لكنه يحتاج إلى تأطير علمي وقانوني حتى يتحول إلى برنامج فعلي لا شعار ظرفي.
🔹 إلى الحراك البيئي:
لا تتركوا السلطة تفرّق صفوفكم أو تدير غضبكم من الخارج. قوتكم في وحدة الخطاب والوعي بالرهان الحقيقي: فرض الحلّ لا التفاوض حول المطلب.
بين الدولة والمجتمع
قابس اليوم أمام مفترق طريق حاسم:
إمّا أن تكون نموذجًا في الدولة العادلة التي تحترم حياة مواطنيها،
أو تُترك مرة أخرى ضحيةً لتفكيك جديد…
تفكيك المسؤوليات بدل الوحدات.