التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية: أزمة المصعد الاجتماعي في تونس

رغم تسجيل ارتفاع في الناتج الداخلي الخام، إلا أن هذا النمو لم يُترجم إلى تحقيق تنمية فعلية، حيث لا تزال الفوارق الاجتماعية والاقتصادية قائمة، مما يعكس غياب سياسات تنموية متوازنة.
الناتج الداخلي الخام: نمو دون تأثير اجتماعي ملموس
🔹 ارتفع الناتج الداخلي الخام التونسي من 36.5 مليار دينار سنة 2006 إلى 138.6 مليار دينار سنة 2022، لكن هذا النمو لم يواكبه تحسن في مستوى المعيشة أو تقليص الفوارق الاجتماعية.
🔹 تباطؤ نسق نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغ معدله 1.7% بين 2011 و2019، ثم تراجع إلى 0.4% سنة 2023، مما يعكس ضعف تأثير النمو الاقتصادي على التنمية الفعلية.
🔹 لم تتطور القطاعات الاقتصادية الحيوية بالشكل اللازم، حيث سجل قطاع الفلاحة والصيد البحري نموًا ضعيفًا بنسبة 9% فقط منذ 2010، بينما لم تتجاوز الصناعات التحويلية 17%، مما يعكس غياب استراتيجيات تنموية فعالة.
التعليم: المصعد الاجتماعي المعطل
🔹 رغم انخفاض نسبة الأمية إلى 17.3%، إلا أن جودة التعليم العمومي شهدت تراجعًا كبيرًا، حيث يعاني 75% من طلبة السنة السادسة و83% من طلبة التاسعة أساسي من ضعف في التحصيل العلمي.
🔹 فقدان الثقة في المدرسة العمومية دفع العديد من الأسر إلى خيار التعليم الخاص، الذي أصبح يضم 7.71% من التلاميذ في المرحلة الابتدائية، مما يعمّق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
🔹 التعليم لم يعد يضمن فرص التشغيل، حيث وصلت نسبة بطالة حاملي الشهادات العليا إلى 23.5%، مما يعكس ضعف ارتباط المناهج الدراسية بمتطلبات سوق العمل.
رغم ارتفاع الناتج الداخلي الخام، إلا أن التنمية لم تواكب هذا النمو، مما يترك الفئات الهشة خارج دائرة الاستفادة ويكرّس التفاوت الاجتماعي.
التغطية الاجتماعية: تفاوت كبير بين الفئات والمناطق
🔹 بلغت نسبة التغطية الاجتماعية42.1% على المستوى الوطني، لكنها تنخفض بشكل خطير في المناطق الداخلية والجنوب حيث تصل إلى 33.8%، مقارنة بـ 49.3% في تونس الكبرى.
🔹 الفئات الأكثر تضررًا تشمل العاطلين عن العمل، العمال غير المنتظمين، والنساء في المناطق الريفية، الذين يفتقرون إلى الحد الأدنى من الضمانات الاجتماعية.
🔹 غياب سياسات دعم فعالة يكرّس هشاشة هذه الفئات، مما يزيد من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي.
البطالة: معضلة اقتصادية واجتماعية تحتاج إلى إصلاحات جذرية
🔹 رغم انخفاض نسبة البطالة إلى 15.7%، إلا أن البطالة بين الشباب (37.7%) وحاملي الشهادات العليا (23.5%) تبقى مرتفعة، مما يؤدي إلى تفاقم الإحباط الاجتماعي والهجرة الداخلية والخارجية.
🔹 محدودية فرص التشغيل تدفع العديد من الشباب إلى الاقتصاد غير الرسمي، مما يؤثر على استقرار سوق العمل ويُضعف قاعدة دافعي الضرائب.
التعليم لم يعد وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية، بل أصبح يعكس الفجوة الطبقية، حيث لم تعد الشهادة الجامعية ضمانًا للخروج من دائرة الفقر.
إصلاح النموذج التنموي: بناء دولة اجتماعية عادلة
🔹 إصلاح التعليمعبر تحديث المناهج، تعزيز التكوين المهني، وضمان تكافؤ الفرص بين الجهات.
🔹 توسيع نطاق الحماية الاجتماعية للفئات الهشة، خاصة في المناطق ذات التغطية المنخفضة.
🔹 تحفيز الاستثمار الاجتماعي عبر سياسات جبائية عادلة تُشجع المؤسسات على تحسين ظروف التشغيل.
🔹 إعادة هيكلة سوق العمل عبر دعم المشاريع الصغرى والمتوسطة، وتحفيز الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
🔹 تحقيق العدالة الجهوية عبر توزيع أكثر إنصافًا للموارد والخدمات الاجتماعية لضمان تنمية متوازنة.
تحقيق النمو الحقيقي لا يكون بالأرقام وحدها، بل يتطلب سياسات اجتماعية عادلة تعزز فرص التعليم، التشغيل، والتغطية الاجتماعية للجميع.
نحو نموذج اقتصادي يخدم المجتمع
إن تحقيق النمو الاقتصادي لا ينبغي أن يكون مجرد ارتفاع في المؤشرات المالية، بل يجب أن ينعكس على تحسين مستوى المعيشة وضمان تكافؤ الفرص لجميع المواطنين. تونس أمام تحدٍ حقيقي لإعادة بناء نموذجها التنموي بطريقة تُحقق التوازن بين الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، فهل تستطيع مواجهة هذه التحديات بفعالية؟